الوجه المظلم للشبكة: كيف كشفت فضيحة في إيطاليا عن وباء العنف الرقمي ضد المرأة
في عالم يزداد فيه تداخل حياتنا الواقعية مع هوياتنا الرقمية، تطفو على السطح أشكال جديدة من العنف، أكثر خبثاً وقدرة على الانتشار. قبل أيام قليلة، كانت إيطاليا على موعد مع فضيحة مدوية لم تكن مجرد خبر عابر، بل جرس إنذار كشف عن عمق الكراهية الممنهجة ضد المرأة في الفضاءات الرقمية. بدأت القصة بإغلاق مجموعة على فيسبوك، كانت بمثابة ساحة مقززة يتبادل فيها الأزواج صوراً حميمية لزوجاتهم وشريكاتهم، لتتحول أجسادهن وحياتهن الخاصة إلى مادة للتعليق والتسلية الرخيصة.
لكن ما بدا كفعل معزول، سرعان ما تكشّف عن كونه قمة جبل جليدي لظاهرة أوسع وأكثر تنظيماً. فالاهتمام الآن يتجه نحو تحقيق الشرطة الإيطالية في موقع إلكتروني ضخم، يضم ما يقرب من 200 ألف مشترك، تحول إلى أرشيف للكراهية وانتهاك الخصوصية، حيث تُنشر صور مسروقة ومُعدّلة لآلاف النساء، مصحوبة بتعليقات جنسية مهينة.
ضحايا على كل المستويات: من المواطنة العادية إلى رئيسة الوزراء
إن ما يميز هذه المنصة الخبيثة هو نطاق ضحاياها الواسع، الذي يوضح أن لا امرأة في مأمن من هذا النوع من الانتهاكات. لم يقتصر الأمر على النساء المجهولات اللواتي سُرقت صورهن من حساباتهن الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، بل امتدت الأيادي العابثة لتطال شخصيات عامة في أعلى مستويات الدولة والمجتمع.
تضم قائمة الضحايا رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، وشقيقتها أريانا، زعيمة الحزب الديمقراطي المعارض إيلي شلاين، الممثلة الشهيرة باولا كورتيليسي، ورائدة الأعمال والناشطة كيارا فيراجني. يتم الحصول على الصور بطرق مختلفة؛ بعضها يُسرق مباشرة، والبعض الآخر يتم التلاعب به ببراعة عبر تقنيات "التزييف العميق" (Deepfake) والصور المركبة، لتحويل صور عادية إلى محتوى إباحي أو مهين. الهدف واحد في كل الحالات: التجريد من الإنسانية، التشويه، والإسكات.
أصوات شجاعة في وجه الانتهاك
في خضم هذا المستنقع الرقمي، برزت أصوات نسائية شجاعة رفضت الصمت والخضوع. كانت فاليريا كامبانيا، زعيمة كتلة الحزب الديمقراطي في مجلس مدينة لاتينا، من أوائل من كسروا جدار الخوف. بعد أن وجدت صورها بملابس السباحة منشورة دون موافقتها، عبرت عن مشاعرها بصدق مؤلم:
"أشعر بالاشمئزاز والغضب وخيبة الأمل... لا أستطيع أن أصمت. هذا يتعلق بحقنا في الحرية والاحترام والعيش دون خوف." – فاليريا كامبانيا
كلمات كامبانيا ليست مجرد شكوى شخصية، بل هي إعلان لمبدأ أساسي: المعركة ضد العنف الرقمي هي معركة من أجل الحقوق الأساسية للمرأة في الوجود بأمان وكرامة، سواء في الشارع أو على شاشة الهاتف.
وسرعان ما انضمت إليها النائبة في البرلمان الأوروبي، أليساندرا موريتي، التي كشفت أن هذا المنتدى دأب على "سرقة صورها ومقاطعها من البرامج التلفزيونية لسنوات، وتحريرها، ونشرها على الإنترنت". وحذرت من خطورة التهوين من هذه الجرائم:
"أحث الجميع على الإبلاغ عن هذا... إن إنكار خطورة هذا الأمر أو التقليل من شأنه يُعدّ إهمالاً لسلامة المرأة ومستوى التحضر في أي بلد." – أليساندرا موريتي
أبعد من إيطاليا: ظاهرة عالمية مقلقة
ما يحدث في إيطاليا ليس حالة فريدة، بل هو عرض لأزمة عالمية. لقد أدى انتشار التكنولوجيا وسهولة التلاعب بالمحتوى الرقمي، مقترناً ببيئة توفر للمعتدين ستاراً من المجهولية، إلى تفشي ظواهر مثل "الانتقام الإباحي" (Revenge Porn)، والمطاردة الإلكترونية، والتشهير، واستخدام تقنيات التزييف العميق كسلاح.
إن التأثير على الضحايا مدمر، فهو لا يقتصر على الضرر النفسي المباشر المتمثل في القلق والاكتئاب والعزلة الاجتماعية، بل يمتد ليشمل تهديداً حقيقياً لمسيرتهن المهنية وعلاقاتهن الاجتماعية وسلامتهن الجسدية. بالنسبة للشخصيات العامة، يُستخدم هذا العنف كأداة ترهيب لإسكاتهن وإبعادهن عن المجال العام، خاصة النساء الناشطات في السياسة والإعلام.
الحاجة الملحة إلى استجابة شاملة
تُظهر هذه الفضيحة بوضوح أن الأطر القانونية الحالية غالباً ما تكون قاصرة عن مواكبة التطور السريع للجرائم الرقمية. التحقيقات الشرطية، على أهميتها، تأتي في كثير من الأحيان بعد أن يكون الضرر قد وقع وانتشر بشكل لا يمكن السيطرة عليه. لذا، فإن المواجهة تتطلب استراتيجية متعددة الأوجه:
- تشريعات رادعة: سن قوانين صارمة تجرّم بشكل واضح إنشاء ومشاركة الصور الحميمية أو المعدلة دون موافقة صريحة، مع فرض عقوبات تتناسب مع حجم الضرر.
- مساءلة المنصات: إلزام شركات التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي بتحمل مسؤوليتها في مراقبة المحتوى وإزالته بسرعة وفعالية.
- توعية مجتمعية: إطلاق حملات تثقيفية واسعة حول مفاهيم الموافقة الرقمية، واحترام الخصوصية، ومخاطر العنف عبر الإنترنت.
- دعم الضحايا: توفير آليات دعم نفسي وقانوني سهلة الوصول للضحايا، وتشجيعهن على الإبلاغ دون خوف من اللوم أو الوصم.
في النهاية، المعركة ضد العنف الرقمي ليست معركة تقنية أو قانونية فحسب، بل هي معركة ثقافية وأخلاقية. إنها صراع من أجل تعريف شكل الفضاء الرقمي الذي نريد أن نعيش فيه: هل هو غابة يسود فيها قانون الأقوى، أم مجتمع يحترم كرامة وحقوق جميع أفراده؟ إن صرخات الغضب التي انطلقت من إيطاليا يجب أن تكون دعوة عالمية للعمل، لبناء عالم رقمي لا يكون فيه الخوف هو الثمن الذي تدفعه النساء مقابل حريتهن.